النظرية الجشطلتية: فهم الكل وعلاقته بالإدراك والتعلم

علم النفس الجشطلتية: تعرف على المبادئ الأساسية لنظرية الجشطلت، مثل الكل والشكل، وكيفية تطبيقها  في علم النفس الحديث.

النظرية الجشطلتية: فهم الكل وتطبيقاته في التعلم وعلم النفس

تُعد النظرية الجشطلتية (Gestalt Theory) واحدة من أهم النظريات في علم النفس، حيث تركز على فكرة أن "الكل أكبر من مجموع أجزائه." ظهرت هذه النظرية في بدايات القرن العشرين على يد مجموعة من العلماء الألمان، وتُعتبر اليوم أساسًا لفهم كيفية إدراك العقل البشري للعالم من حوله. تعتمد هذه النظرية على مجموعة من المبادئ الأساسية، مثل مفهوم الجشطلت، الاستبصار، والطريقة الكلية في التعليم.

 ما هي النظرية الجشطلتية؟

تنطلق النظرية الجشطلتية من فكرة أساسية: العقل البشري يُفضل رؤية الأنماط الكلية بدلاً من العناصر الفردية المنفصلة. "جشطلت" هي كلمة ألمانية تعني "الشكل" أو "الكل"، وتشير إلى فكرة أن الكل يُعبر عن نفسه بشكل لا يمكن استنتاجه من خلال أجزائه بشكل منفصل. فعلى سبيل المثال، الجسم البشري ليس مجرد مجموعة من الأعضاء، بل هو كيان متكامل يعمل بتناغم ووظائف محددة لا يمكن أن تتحقق في حالة تم فصل تلك الأعضاء عن بعضها.

أمثلة على تطبيق النظرية الجشطلتية:

  • الجسم البشري: 

يعتبر الجسم مثالًا واضحًا على مفهوم الجشطلت. فهو ليس مجرد أعضاء تعمل بشكل منفصل، بل هو كيان مترابط تتفاعل فيه الأعضاء مع بعضها لتحقيق الوظائف الحيوية. أي خلل في جزء منه يؤثر على الكل.

  • السيارة:

 السيارة ككل تعمل بمجموعة من الأجزاء المتكاملة. إذا تم فصل أحد الأجزاء، مثل المحرك أو العجلات، فإن السيارة لن تكون قادرة على أداء وظيفتها.

  • الكلمة والجملة:

 الكلمة لا تحمل معنى حقيقيًا إذا لم تكن جزءًا من جملة. تركيب الحروف بترتيب معين يعطي الكلمة معناها، وعندما نضع هذه الكلمات في جملة، يتشكل لدينا معنى أكبر وأكثر تعقيدًا.

 الاستبصار في النظرية الجشطلتية:

أحد أهم مفاهيم النظرية الجشطلتية هو "الاستبصار" (Insight)، والذي يشير إلى الفهم المفاجئ للحل. يحدث الاستبصار عندما يستطيع الفرد إدراك العلاقات بين أجزاء المشكلة بشكل كلي. يتمثل ذلك في إعادة تنظيم عناصر الموقف، ما يؤدي إلى تحقيق فهم أعمق وأكثر شمولية للمشكلة. على سبيل المثال، في عملية التعلم، عندما يواجه الطالب مشكلة معقدة، قد يصل فجأة إلى لحظة "آها!" التي تمكنه من رؤية الحل بشكل واضح.

الطريقة الكلية في التعليم

تركز النظرية الجشطلتية على أهمية الطريقة الكلية في التعليم. فعلى عكس النهج التقليدي الذي يقوم بتجزئة المعرفة إلى أجزاء صغيرة، توصي النظرية الجشطلتية بتقديم الموضوع بشكل عام قبل الانتقال إلى تفاصيله. وهذا يساعد المتعلم على:

  •  إدراك السياق العام للمعلومات.
  • فهم العلاقات بين الأجزاء المختلفة.
  • التركيز على النقاط الأساسية والمهمة في الموضوع.

قوانين الإدراك في الجشطلتية:

تعتمد النظرية الجشطلتية على مجموعة من القوانين التي تشرح كيفية إدراك العقل البشري للعالم من حوله:

  • قانون الغلق: يميل العقل إلى ملء الفجوات لإدراك الشكل الكامل.
  • قانون الاستمرار: يُفضل العقل إدراك الخطوط المستمرة بدلاً من المتقطعة.
  • قانون التشابه: يميل العقل إلى تجميع العناصر المتشابهة معًا.
  • قانون التقارب: يتم تجميع العناصر القريبة من بعضها باعتبارها جزءًا من نفس المجموعة.

أبرز رواد النظرية الجشطلتية:

النظرية الجشطلتية (Gestalt Theory) نشأت في أوائل القرن العشرين على يد مجموعة من علماء النفس الألمان الذين كانوا يبحثون عن طرق جديدة لفهم الإدراك والتعلم. إليك أبرز رواد النظرية الجشطلتية:

ماكس فيرتهايمر (Max Wertheimer):

  • يُعتبر مؤسس النظرية الجشطلتية. 
  • كان مهتمًا بدراسة كيفية إدراك الناس للأشياء وكيفية حلهم للمشكلات.
  • أشهر تجاربه كانت حول "الظواهر الفيلمية" (Phi Phenomenon)، التي تتعلق بكيفية إدراك الحركة الظاهرية من خلال ومضات سريعة متتابعة من الضوء. كانت هذه التجارب أساسًا لفهم كيفية إدراك الكل وليس الأجزاء.

فولفغانغ كوهلر (Wolfgang Köhler):

  •  أحد أبرز مؤسسي النظرية الجشطلتية.
  •  قام بتجارب على الشمبانزي لدراسة كيفية حل المشكلات، وقدم مفهوم "الاستبصار" (Insight)، الذي يصف اللحظة التي يدرك فيها الكائن الحي الحل فجأة بعد إعادة تنظيم مكونات الموقف.
  • من أشهر تجاربه تجربة "قفص الشمبانزي"، حيث كان على الشمبانزي استخدام صناديق للوصول إلى موزة معلقة في مكان مرتفع، ما أظهر قدرته على إدراك العلاقات المكانية بشكل كلي.

كورت كوفكا (Kurt Koffka):

  • كان له دور كبير في نشر وتطوير أفكار النظرية الجشطلتية.
  • ركز بشكل خاص على تطبيقات النظرية في مجال التعلم والتطور البشري.
  • كتب كوفكا العديد من الكتب والمقالات التي ساهمت في نشر النظرية خارج حدود ألمانيا، ومن أبرز أعماله كتاب "مبادئ علم نفس الجشطلت" (Principles of Gestalt Psychology).

كورت ليفين (Kurt Lewin):

  • على الرغم من أنه يُعتبر في بعض الأحيان جزءًا من مدرسة مختلفة، إلا أن كورت ليفين تأثر بشكل كبير بمبادئ النظرية الجشطلتية.
  • قام بتطوير نظرية المجال (Field Theory) التي تصف كيفية تأثير البيئة المحيطة على السلوك البشري.
  • ركز على دراسة كيفية تأثير العوامل الخارجية على الأفراد بشكل كلي.

إدغار روبنسون (Edgar Rubin):

  • على الرغم من أن عمله كان أقل شهرة مقارنة برواد النظرية الآخرين، إلا أن روبنسون قد أسهم في تطوير مفهوم "الشكل والخلفية" (Figure-Ground Perception).
  • عمله كان مهمًا في فهم كيفية إدراك الناس للأشكال في سياقات مختلفة.

تأثير رواد النظرية الجشطلتية:

رواد النظرية الجشطلتية قدموا إسهامات مهمة في مجالات مختلفة مثل الإدراك، والتعلم، وعلم النفس التطبيقي. من خلال التركيز على مفهوم الكل وأهمية العلاقات بين الأجزاء، مهد هؤلاء الرواد الطريق لفهم أعمق لعمليات العقل البشري، وأثروا بشكل كبير على مجالات مثل التعليم، والعلاج النفسي، والتصميم.

في الأخير لعبت النظرية الجشطلتية دورًا هامًا في فهم عملية الإدراك والتعلم. من خلال التركيز على الكل بدلاً من الأجزاء، تساعد هذه النظرية في تحسين أساليب التعليم وجعلها أكثر فعالية. سواء في الفصول الدراسية أو في الحياة اليومية، يمكن لتطبيقات النظرية الجشطلتية أن تساعد في تعزيز الفهم وتسهيل عملية التعلم.

يمكنكم ايضا الإطلاع على:


تعليقات